کد مطلب:306522 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:262

بزوغ نور البضعة


.. و اخیراً أحسست بتعب شدید ینتابها فأغمضت عینیها، و صارت لا تری شیئاً، إلّا ونج نور ساطع ألق.. فأحست انها وسط شمس تملأ الفضاء الرحیب بنورها.

فكللتها هالة من الانوار غطت بدنها و اضاءت بیتها، ثم لم تلبث حتی انتشر فی الجو عبق لم تعهده الطبیعة من قبل فاختلط بنقاب تلك الشمس الساطعة، حجب نورها الكون، الذی امتلئت اجوازه بفراشات رائعة، و هی تنثر من اجنحتها ورد المیاسم و عطر الجنان.

.. عند ذلك سقط من بین حنایا الام جسم ناعم مضی ء ازهر نوره الدنیا.

فلم یبق فی شرق الارض و غربها موضعاً إلّا اشرق فیه ضوءهُ.

.. فتنادت الكریمات نداءاً واحداً:

- یاللَّه یاللَّه لهذا النور.. قطعة دُریة انفلق نورها الازهر وسط هذه الدنیا المترقبة للهدی.

وافصحت سماء الملكوت عن فرحتها فنادت:

- یا بشری

- یا بشری لبنت المصطفی.

فالتفتن كریمات الجنة حول المولود الازهر، المتقد هیكله بأجمل نور.

اجل سیدتی، كنت ساجدة علی الأرض [1] ، حینما ولدتك اُمك و انت تسبحین المولی تعالی.

فلقد اُنیرت دنیانا باشراق نوركم الابهر فسمیت «بالزهراء».


بلی سیدتی، فلقد رفعنك الكریمات بأناملهنّ الرقیقة [2] و قد علت ملامحهنّ مسحة من نورك البهی الجمیل... فبدینّ ابهی و اسعد مما كنّ علیه من نور الجنان.

فداعبنها بأبتساماتهنّ... یمسحنّ بأكفهن فوق بدن المولدة الطاهرة لیتبركنّ من نورها.

.. فهبط الی الارض من كان یرتقب شمسك.

انهنّ الحور العین أجل: فلقد هبطت افواجهن تحمل معها الفرح والبهجة و هنّ یحتضننّ ابریقاً ذهبیاً مصاغاً بأعلی الفردوس، قد ملی ء بماء الكوثر، الذی اُهدی حوضه الی رسول اللَّه، فكان لك یوم ولدتِ، و سیورده شیعتك و محبیك یوم یردون الودره المورود.

... ثم نزل موكب من الملائكة و الحور العین یحملون طستاً هائلاً عظیماً یشع بأنواره البهیة.

اجل مولاتی فلقد تناولتك الحور، و وضعتك وسط الطست الذی غطی نورك نوره و تألقه.

ثم صُب الماء علی بنت العصمة والطهارة، إن ماءه ابیض كالثلج حینما یلمع تحت اشعة الاصیل.

.. انحدرت ذرات المیاه من بدنك الازهر، و كأنه جبل شامخ انحدرت من شاخصاته ینابیع العیون...

اما نورك فهو اشبه شی ء بتلك القمة العالیة، التی لا تصل لها الایدی و لا ترمقها العیون، و هی تقذف تلك الاشعة المتمثلة بشخصك علی كل بقاع الارض.. و هو یتهالك یجلی بأشعتك القلوب المحزونة.

بلی: ملئ الطست المرصع بذرات النور الذهبیة، فأنبثقت منه شمس جمالك ممتزجة برائحة بدنك الشریف.

.. فرفرفت الملائكة عالیاً مبتهجة مسرورة، تنثر زهور البنفسج والقداح علی


البیت النبوی.

عند ذلك هبطن حور عین اُخریات یحملن لباس المولودة، انه من الجنة من سندس و استبرق.

فتشعشعت انوار تغشی العیون، فانجلت عن ذلك (خرقتین بیضاویتین). بل إنهما اشد بیاضاً من الدر و اطیب ریحاً من المسك و العنبر.

فجففتِ سیدتی بتلك الاقمشة، وقنعتِ.

ثم تلقفنك ایادی المباركات مستبشرات فرحات، بما كرمهنّ اللَّه به... وانطقنها باذن اللَّه، فنطقت حبیبة رسول رب العالمین:

(اشهد ان لا اله إلّا اللَّه و ان أبی رسول اللَّه، سید الانبیاء و ان بعلی سید الأوصیاء، و ولدی سادة الاسباط).

ثم سلمت علیهنّ باجمل و اكمل و افصح سلام، و سمتهنّ باسمائهنّ.. ففاضت قلوبهن فرحاً و بشراً بولادة الزكیة الزهراء. [3] .

و ظهر فی السماء نوراً لم ترهُ الملائكة من قبل.

أجل سیدتی استحال للشاعر الادیب البلیغ ان یصف بیت شعری یرمز به الی جمالك، الذی هو اشبه شی ء بجمال نبی الاسلام، و هو یرتل كلمات القرآن.

.. و انی له أن یصف سیدة العرفان و الرفعة فی هذا الوجود.

فهو لمنسجم و حروف الفرقان، التی رتلتها محبوبة خدیجة و محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم.

.. ثم دفعنها الی حجر العفة، بعد أن وضعنها فی مهدٍ من النور، واقبلنّ یتضاحكن قائلات:

- (خذیها انها طاهرة مطهرة زكیة بورك فیها و فی نسلها).

.. وها هی خدیجة تملؤها سعادة كبری، و هی تلقم ریحانتها لبنها الطاهر،


فیدر فی فم الجمال.

فقد تغیر كل شی ء الیوم.

.. و ها هو عطر الزهور یجتاح الوجود، أرضاً و سماءاً.

وها هی الكواكب تدور حول فلك تلك الشمس المضیئة.. فغردت البلابل.

و جری الماء الرقراق نحو بیادره الضمأی، فألتمعت السواقی التماعاً و كأنها لجین ناصع.

.. ثم تعالت شجرة الحور كعروس جمیلة یلاعب النسیم اثوابها.

.. و هزت شجرة الصفصاف اغصانها القویة ابتهاجاً لترافق ذلك العبق الفواح، الذی یتصاعد من بین حنایا الزهراء، لتبعث به نحو السواحل حیث الامواج تحمله معها، الی البحار و المحیطات لتبشر بمولد الخیر و الرحمة مولد فاطمة عبق الرسالة.

.. فتصغی لذلك النداء و لتلك البشری الحیتان و الاسماك، التی راحت تطفو علی الماء فرحة بشوشة.

و من هناك و من بعید تشمر الغزلان و الریم الجمیلة عن ساقیها الرشیقتین نحو الریاض و السفوح المكتظة بالحسار الخضراء الیانعة.. انها الیوم لا تخاف الوحوش.

.. و وئیداً وئیداً ترسل زهرة الاقاح البیضاء عبقها المتهاوی من علی المروج و الودیان، و شاركتها وردة الآس [4] لیبعثا بعطریهما لبنت سید الوری، تبریكاً لها بمولودها الخیر.

.. فصار الطقس جمیلاً رقیقاً.. و شمس الربیع ساطعة، والمطر رذاذ ینعش القلوب.

ان التاریخ لن ینسی هذا الیوم، و تلكم الساعات انه عاهد ان لا یسجلها، إلّا


بأحرف من نور مصقولة بالذهب.


[1] ذكر الخبر صاحب نزهة المجالس. و اضاف الطبري: (فوقعت علي الارض ساجدة رافعة أصبعها) كما و ذكره جمع من علماء الشيعة.

[2] «حضور آسية و حواء و كلثوم و مريم عند ولادة فاطمة» و ذكر إنها كانت تحدثها و هي في بطنها (أي بطن خديجة).

[3] «اللَّه يسلم علي فاطمة» ميزان الاعتدال ج 2 ص 26 ط القاهرة.

«لما ولدت فاطمة سماها النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم المنصورة فنزل جبرائيل فقال اللَّه يقرؤك السلام و يقرء مولودك السلام» لسان الميزان للعسقلاني ج 3 ص 267.

[4] يقال: (ان رائحة الآس رائحة الملائكة و الحور العين.